لعصر النبوي (610–632)
Crystal Clear app kdict.png مقالات تفصيلية :محمد، بداية الدعوة الإسلامية، هجرة نبوية، غزوات الرسول و فتح مكة
غار حراء، حيث يؤمن المسلمون أن الوحي الإلهي نزل على محمد هناك.
نشأ الدين الإسلامي على يد محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب من بني هاشم، أحد فروع قبيلة قريش العربية العريقة. كان محمد، وفقًا للمصادر الإسلامية، حنيفيًا قبل الإسلام يعبد الله على ملة إبراهيم ويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية.[136] وكان يذهب إلى غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة فيأخذ معه السويق والماء فيقيم فيه شهر رمضان،[137] وكان يختلي فيه ويقضي وقته في التفكر والتأمل. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، حيث جاءه الملاك جبريل، فقال: "اقرأ"، قال: "ما أنا بقارئ" - أي لا أعرف القراءة، قال: "فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني" فقال: "اقرأ"، قلت: "ما أنا بقارئ"، قال : "فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني" فقال: "اقرأ"، فقلت: "ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، ثـم أرسلني"، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}، فأدرك محمد أن عليه أن يعيد وراء جبريل هذه الكلمات، ورجع بها يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد، فقال: "زَمِّلُونى زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم أخبر زوجته بما حصل معه، فانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان حبرًا مسيحيًا يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخًا كبيرًا فأخبره خبر ما رأى، فقال له ورقة: "هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى". ويؤمن المسلمون أن جبريل آتى محمدًا مرة أخرى جالسًا على كرسي بين السماء الأرض، ففر منه رعبًا حتى هوى إلى الأرض، فذهب إلى زوجه خديجة فقال: "دثروني، دثروني، وصبوا علي ماءً باردًا"، فنزلت سورة المدثر: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}، وهذه الآيات هي بداية رسالته ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع لمدة ثلاثة وعشرين عاماً حتى وفاته.[138] أعلن محمد رسالته إلى أسرته سرًا، فكان ممن سبق إلى الإسلام زوجته خديجة بنت خويلد، وابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه المقرّب أبو بكر، وأخذ محمد يدعو إلى ترك عبادة الأصنام وعبادة إله واحد لا شريك له والإيمان بالآخرة، ولكنه ما كاد يجهر بالدعوة حتى سخرت منه قبيلته قريش، وآذته أشد الإيذاء، وعذّبت أتباعه من المستضعفين، فأخبرهم محمد أن الله أذن لهم بالهجرة إلى الحبشة، فخرج قرابة 80 منهم وضموا عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت محمد، وأبو حاطب بن عمرو وجعفر بن أبي طالب.[139] فأمّن نجاشي الحبشة "أصحمة بن أبحر" المسلمين على أرواحهم وأعطاهم حرية البقاء في بلاده، فبقي منهم من بقي في شتى أنحاء القرن الإفريقي عاملاً على نشر الدين الإسلامي هناك.
جبل أحد حيث موقع معركة أحد التي انهزم فيها المسلمون.
وزاد في حرج موقف النبي محمد وأتباعه في مكة وفاة عمّه أبي طالب ووفاة زوجته خديجة، فخسر بفقدهما مساعدين قويين، وهكذا اشتد اضطهاد قريش للمسلمين من أتباع محمد، الذين كانوا يتحملون الاضطهاد صابرين، عندئذ لم يجد النبي بدًا من أن يأمر المسلمين بالهجرة سرًا من مكة إلى مدينة يثرب، وكان نحوٌ من سبعين رجلاً من أهلها قد آمنوا برسالته في إحدى زياراتهم لمكة.[140] وما لبث محمد أن لحق بأتباعه إلى يثرب يرافقه أبو بكر، وعندما وصلها قابله أهلها بتحية النبوّة وسُميت "المدينة المنورة". وأخذ عدد المسلمين يتكاثر شيئًا فشيئًا، إلى أن استطاعوا أن يواجهوا أهل مكة في ساحات المعارك، فكانت غزوة بدر بتاريخ 17 مارس سنة 624م، الموافق في 17 رمضان سنة اثنتين للهجرة. وانتصر جيش المسلمين وقُتِل من المكيين حوالي 70 قتيلا منهم أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي سيد قريش، في حين قتل من المسلمين ما لا يتجاوز أربعة عشر شخصًا. ذلك بالرغم من التفوق العددي لجيش مكة.[141] كما تم أسر 70 فردًا من قوات جيش مكة، وأُطلق سراح الكثير منهم لاحقًا مقابل فدية.[142][143] وقد أثارت الهزيمة أهل مكة فجمعوا جموعهم في العام التالي، والتقوا بالمسلمين عند جبل أحد وكرّوا عليهم وهزموهم. قُتل عدد كبير من المسلمين في هذه المعركة من ضمنهم حمزة بن عبد المطلب عم محمد الذي يلقبه المسلمون السنّة "سيد الشهداء".[144][145][146] وبعد معركة أحد أقدم أبو سفيان على حشد جيش كبير، وتوجه به نحو المدينة المنورة قاصدًا احتلالها. أعد محمد كذلك جيشًا كبيرًا لمواجهة الغزو، واستخدم أسلوبًا جديدًا لم يكن معروفًا في شبه جزيرة العرب في ذلك الحين، حيث أخذ بمشورة سلمان الفارسي وقام بحفر خندق حول المدينة وأضرم فيه النيران. حينما وصل تحالف العرب إلى المدينة يوم 31 مارس سنة 627م فوجئوا بالخندق فقرروا محاصرة المدينة. استمر الحصار لمدة أسبوعين،[147] بعدها قرر المحاصرون العودة إلى ديارهم.[148] وفي العام التالي أبرم محمد معاهدة سلام مع المكيين عُرفت بصلح الحديبية، واتفقوا أن تسري مفاعيلها طيلة عشر سنوات.[149]
رسم فارسي لبلال بن رباح وهو يؤذن على سطح الكعبة بعد دخول المسلمين لمكة.
توّجه المسلمون إلى خيبر بعد أن أراحوا بالهم من جهة المكيين، وكانوا ألف وست مئة مقاتل، في مطلع ربيع الأول من العام السابع الهجري، وأحاط محمد تحركه بسرية كاملة لمفاجأة اليهود. فوصل منطقة تدعى الرجيع تفصل بين خيبر وغطفان وفي الظلام حاصر المسلمون حصون خيبر واتخذوا مواقعهم بين أشجار النخيل. وفي الصباح بدأت المعارك، حتى سقطت آخر حصونهم على يد سرية بقيادة علي ابن أبي طالب. فاتفق معهم محمد على أن يعطوه نصف محصولهم كل عام على أن يبقيهم في أراضيهم.[150][151] كما بعث محمد في تلك السنة رسائل إلى العديد من حكام الدول المجاورة، داعيًا إياهم إلى اعتناق الإسلام.[139] فأرسل رسله إلى هرقل إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، وكسرى شاه فارس، والمقوقس عامل الروم في مصر، وبعض البلدان الأخرى.[152][153] وفي السنوات التي أعقبت صلح الحديبية، أرسل محمد قواته إلى الشمال فالتقوا مع القوات البيزنطية في غزوة مؤتة، لكنهم انهزموا بسبب الفارق العددي الكبير.[154] وبعد مضيّ ثماني سنوات على هجرة النبي محمد من مكة، استطاع أن يعود إليها فاتحًا دون قتال،[155] وأعلن عفوًا عامًا عن كل أهل مكة، باستثناء عشرة منهم ممن قاموا بنظم الشعر لهجائه،[156] فسارع أهلها إلى الانضواء تحت لوائه واعتناق الإسلام دينًا، ثم أقدم على تدمير جميع تماثيل الآلهة العربية بداخل الكعبة وحولها.[157][158] وأمر بلال بن رباح الحبشي، أحد الصحابة وأول مؤذن في الإسلام، أن يصعد الكعبة ويؤذن بالصلاة.
وعاش النبي محمد سنتين بعد فتح مكة، وفي السنة العاشرة للهجرة خرج للحج في أكثر من مائة ألف من المسلمين. وعند جبل عرفات ألقى عليهم خطبته التي تعتبر دستور الإسلام، فقد بيّن فيها أسس الإسلام ومبادئه، ونادى بالمساواة بين الناس، لا فرق في ذلك بين العبد الحبشي والشريف القرشي، وقرأ عليهم آخر ما نزل من القرآن: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ولم يمض على حجة الوداع ثلاثة أشهر حتى مرض النبي محمد بالحمّى، فلمّا رأى الأنصار اشتداد المرض عليه أحاطوا بالمسجد، فخرج متوكئًا على علي والعبّاس والفضل أمامهما،[159] فجلس في أسفل مرقاه من المنبر وقال للناس أنه ملاق ربه لا محال، فلم يسبق لنبي قبله أن خلد في قومه حتى يخلد فيهم، وبعد أن أوصى المسلمين بالمهاجرين والأنصار خيرًا، توفي النبي محمد يوم 8 يونيو سنة 632م، الموافق في 13 ربيع الأول سنة 11 هـ، وهو في الثالثة والستين من عمره،[160] ودُفن ببيت زوجته عائشة بجانب المسجد النبوي،[161] وفي هذا الوقت كان الإسلام قد انتشر في شبه الجزيرة العربية بالكامل.[50]
[عدل] عصر الخلفاء الراشدين (632–661)
Crystal Clear app kdict.png مقالات تفصيلية :حادثة السقيفة، خلفاء راشدون، حروب الردة، الفتوحات الإسلامية، معركة اليرموك، معركة القادسية، معركة نهاوند، فتنة مقتل عثمان، معركة الجمل و معركة صفين
أنقاض مدينة البتراء القديمة، إحدى أول المدن الشاميّة التي سقطت بيد المسلمين الفاتحين في عهد الخليفة أبي بكر الصديق.
بعد وفاة محمد اختلف أتباعه على هوية الشخص الذي سيخلفه في الحكم،[123] حيث اجتمع جماعة من المسلمين في سقيفة بني ساعدة، فرشّح سعد بن عبادة نفسه وأيده في ذلك الأنصار، في حين رشح عمر بن الخطاب أبا بكر الصديق مؤكدًا على أحقية المهاجرين في الخلافة.[162] ولقي هذا الترشيح تأييد المسلمين ممن كانوا في السقيفة، في حين اعترض عليه لاحقًا مجموعة من المسلمين كانوا منشغلين بتجهيز جثمان محمد ودفنه؛ متمسكين بعلي بن أبي طالب كخليفة نظرًا لقرابته ومكانته من محمد، ويضيف بعض المؤرخين لهذة الأسباب مبايعة المسلمين له في غدير خم وإن كان هناك خلاف حول صحة وقوع هذا الحدث. بعد استقرار الأمر لأبي بكر في المدينة، عمل على حمايتها ومحاربة بعض القبائل التي ارتدت عن الإسلام بعد وفاة النبي، وفي أيامه كان ظهور مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، فأرسل إليه من حاربه وقتله،[163] وعُرفت هذه الحروب "بحروب الردة"،[164] وكذلك ادعت سجاح بنت الحارث النبوة وبقيت على ذلك إلى خلافة معاوية بن أبي سفيان فأسلمت وحسن إسلامها. ولم يكد أبو بكر يفرغ من قتال المرتدين حتى وجّه جيوشه لفتح البلاد الواقعة خارج شبه الجزيرة العربية، فوجّه عدّة جيوش إلى بلاد الشام، وولّى عليها كلها أبا عبيدة بن الجراح،[165] وكان منها سرية كان قد أعدها محمد قبل مماته بقيادة أسامة بن زيد لمحاربة الروم رغم اعتراض البعض لصغر سن قائدها.[166] وكان أول اصطدام هو الذي وقع في وادي عربة جنوبي البحر الميت، فانتصرت فيه الحملة العربية بقيادة يزيد على قوّات البيزنطيين التي تراجعت نحو غزة. ولمّا بلغت هرقل، إمبراطور الروم، أنباء المعارك الأولى التي خاضتها القوات العربية في الشام، أسرع إلى الجنوب حيث نظّم خطة الدفاع، وولّى أخاه ثيودورس قائدًا على جيش الروم، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد الذي كان يُقاتل الفرس في العراق يطلب إليه أن يسرع إلى نجدة القوات العربية في الشام، فلبّى خالد طلبه بعد أن كانت مدينة الحيرة قد استسلمت له، فكانت بذلك أول غنيمة نالها المسلمون خارج شبه الجزيرة العربية. ما كاد خالد يبلغ بصرى حتى اجتمع قوّاد القوات العربية وأمروه عليهم،[165][167] فرتب الجيش ترتيبًا جديدًا، وبدأت الغارات المنظمة على مدن الشام. وبتاريخ 8 أغسطس سنة 634م، مرض أبو بكر مرضًا شديدًا، فأدرك دنوّ أجله وأقدم على إعلان خلافة عمر بن الخطاب كي لا يصبح هناك شقاق بين المسلمين بعد وفاته، على الرغم من أن الجدال كان قائمًا عما إذا كان ينبغي أن يتولى علي بن أبي طالب الخلافة أم لا.[168] توفي أبو بكر يوم الإثنين في 23 أغسطس من نفس السنة ودُفن إلى جانب النبي محمد.
موقع معركة اليرموك التي فتحت الباب على مصراعيه أمام المسلمين لفتح بلاد الشام.
تولّى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاة أبو بكر، فتابع الفتوحات التي بدأها المسلمون في عصر سلفه، فسقطت مدينة بصرى ثم تبعتها فحل على ضفة الأردن الشرقية. وبعد حصار ستة أشهر استسلمت دمشق بعد أن غادرتها حاميتها البيزنطية. وقد أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق أمانًا على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وكنائسهم وبيوتهم ما داموا يؤدون الجزية. ودخلت القوى العربية حمص وحماة، ولكن أنباء الحشد الكبير الذي أعده هرقل، بقيادة أخيه ثيودورس في فلسطين، والذي قيل أنه وصل في تعداده إلى 100,000 رجل،[169] جعلت خالدًا يتخلّى عن بعض المدن الشاميّة ليواجه جيش الروم في وقعة حاسمة، فانحدر إلى وادي اليرموك الذي يصب نهره في الأردن، وجمع جيوشه كلها وعسكر بها على مرتفع جنوبيّ النهر،[170] فكان النهر فاصلاً بين جيوشه وبين الروم، فإذا هاجمها العدوّ استطاعت أن تنجو بنفسها إلى الصحراء التي تمتد ورائها، فيتعذر على الروم اللحاق بها. ولكن ما أن انجلى غبار المعركة الكبرى التي نشبت بين الفريقين حتى ظهرت هزيمة البيزنطيين في فرار عدد من كتائب الجيش وفي كثرة الجرحى والقتلى. وكان من بين القتلى ثيودورس نفسه.[171] وفي الوقت نفسه توجهت قوة عربية بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح إلى سهل البقاع، ورابطت خارج أسوار بعلبك، وبعد حصار طويل وقتال شديد استسلمت الحامية البيزنطية في المدينة. وتوجهت قوة عربية أخرى بقيادة يزيد بن أبي سفيان إلى سواحل لبنان، فتم الاستيلاء على صور وصيدا وبيروت وجبيل وعرقة صلحًا.[172]
أنقاض إيوان كسرى، قصر السلالة الساسانية، في المدائن بالعراق.
كانت الحملة العربية في العراق بقيادة سعد بن أبي وقّاص تُنازل جيش الفرس بقيادة القائد رستم فرخزاد، في معركة القادسية قرب الحيرة. وكانت النتيجة أن قُتل رستم وتشتت الجيش الفارسي ومضى سعد بجيشه إلى المدائن عاصمة الفرس، فدخلها بعد أن فرّ منها يزدجرد الثالث آخر الأكاسرة الساسانيين، مع فلول من الجيش، ولكن سعدًا طاردهم من مدينة إلى مدينة حتى اشتبك معهم في آخر واقعة كبيرة وهي معركة نهاوند.[173] وكانت مقاومة الفرس أشد من مقاومة الروم في الشام، فكثرت المعارك، وكثرت الضحايا، ولم يتم فتح فارس إلا عام 640م.[174] وكان العرب قد اتخذوا الكوفة معسكرًا يوجهون منه القوّات لإخضاع الفرس الذين كانت تتجدد مقاومتهم، حتى تم إخضاع الأقاليم الشرقية كخراسان ومنها تقدموا إلى ما وراء النهر وفتحوا بعد ذلك أذربيجان وأرمينيا وكامل القوقاز. وانطلق عمرو بن العاص من القدس إلى مصر، بعد أن شاور الخليفة،[175] سالكًا الطريق التي سلكها قبله قمبيز والإسكندر الأكبر. واصطدمت القوة العربية بالروم في مدينة الفرماء، مدخل مصر الشرقية، فسقطت المدينة بيد عمرو، ثم تبعتها بلبيس. وكان المقوقس، عامل الروم على مصر، قد تحصن بحصن إزاء جزيرة الروضة على النيل، ورابط عمرو في عين شمس.[176] ولما وصلت الإمدادات من الخليفة عمر، تقاتل الفريقان في منتصف الطريق بين المعسكرين،[177] فانهزم المقوقس واحتمى بالحصن، ولمّا ضيّق عمرو عليه الحصار اضطر إلى القبول بدفع الجزية.[178] وتابع عمرو استيلائه على المدن المصرية، ولم يبق إلا الإسكندرية قصبة الديار المصرية وثانية حواجز الإمبراطورية البيزنطية. وكان الاسطول البيزنطي يحميها من البحر، ولكن شدّة الغارات البريّة العربية، وموت هرقل وارتقاء ابنه قسطنطين الثاني عرش الإمبراطورية وكان حديث السن، جعلت الروم يوافقون على شروط الصلح، فجلت قواتهم وأسطولهم عن المدينة ودخلها المسلمين فاتحين، وأطلقوا الحرية الدينية للأقباط وأمّنوهم على ممتلكاتهم وأرواحهم.[179] وبتاريخ 1 نوفمبر سنة 644م، الموافق في 24 ذي الحجة سنة 23هـ، طُعن عمر بن الخطاب على يد أبو لؤلؤة الفارسي وهو يُصلي،[180] ولم يلبث طويلاً حتى فارق الحياة في 7 نوفمبر من نفس السنة، ودُفن إلى جانب النبي محمد وأبي بكر. وكان عمر أوّل من حمل لقب "أمير المؤمنين"، وبلغ عدد المدن التي افتتحت في خلافته حوالي 4050 مدينة،[181] وفي عهده دوّنت الدواوين وأُنشئ البريد ووُضع التاريخ الهجري.
مصحف عثمان، إحدى أقدم النسخ من القرآن الباقية حتى اليوم.
وبعد عمر بن الخطاب بويع عثمان بن عفّان خليفة للمسلمين،[182][183] وأشهر ما حدث في خلافته فتح شمال أفريقيا وغزو سواحل شبه الجزيرة الأيبيرية وجزيرة قبرص ونسخ القرآن الذي جُمع في خلافة أبي بكر وإرسال نسخ منه إلى جميع البلدان المفتوحة حديثًا وحرق ما سواه من النسخ. وفي عهد عثمان بدت بوادر الانشقاق بين الهاشميين والأمويين، ذلك أن عثمانًا أوكل بعض الأمور إلى نفر من أهله وأقاربه، فعزل أغلب الولاة وولّى الكوفة الوليد بن عقبة، وكان أخاه من أمه؛ وعزل عمرو بن العاص عن مصر وولاها عبد الله بن أبي السرح العامري، وكان أخا عثمان من الرضاعة؛ وعزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وولاها ابن خاله عبد الله بن عامر، فنقم عليه كثير من الناس وأتت المدينة المنورة وفود من مصر والكوفة والعراق وحاصروا مقر الخليفة،[184] فدافع عنه بعض الصحابة مثل محمد بن أبي بكر والحسن والحسين ابنيّ علي بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير،[185] ولكنهم لم يتمكنوا من حمايته فقُتل على يد الثوّار في داره بتاريخ 17 يوليو سنة 656م، الموافق في 18 ذي الحجة سنة 35هـ،[186] ودُفن في مقبرة البقيع.[معلومة 5]
بعد مقتل عثمان حصلت البيعة لعليّ بن أبي طالب،[187] فبايعه جميع من كان في المدينة من الصحابة والتابعين والثوّار. يروى إنه كان كارهًا للخلافة في البداية واقترح أن يكون وزيرًا أو مستشارًا إلا أن بعض الصحابة حاولوا إقناعه فضلا عن تأييد الثوار له،[188][189] ويروي ابن خلدون والطبري أنه قبل خشية حدوث شقاق بين المسلمين.[187][190] ومنذ اللحظة الأولى في خلافته أعلن علي أنه سيطبق مبادئ الإسلام وترسيخ العدل والمساواة بين الجميع بلا تفضيل أو تمييز، كما صرح بأنه سيسترجع كل الأموال التي اقتطعها عثمان لأقاربه والمقربين له من بيت المال،[191][192][193] فأقدم في سنة 36 هـ على عزل الولاة الذين عينهم عثمان وتعيين ولاة آخرين يثق بهم، مخالفًا بذلك نصيحة بعض الصحابة مثل ابن عباس والمغيرة بن شعبة الذين نصحوه بالتروي في اتخاذ القرار.[190] وبعد بضعة أشهر من استلامه الحكم، طالبت عائشة بنت أبي بكر وزوجة النبي محمد، طالبت الأخذ بثأر عثمان، وانضم إليها طلحة والزبير بن العوام وساروا ومن تبعهم إلى البصرة للاستيلاء عليها،[190][194] فلحقهم علي وحصلت بين الفريقين معركة الجمل المشهورة، فانتصر علي ومن معه وقُتل طلحة وولى الزبير ومن بقي معه إلى المدينة، وأرسل علي عائشة إلى المدينة مع أخاها محمد بن أبي بكر، وبذلك انتهت الفتنة في هذه الجهة. ثم جمع علي جيوشه لقتال معاوية بن أبي سفيان والي بلاد الشام لامتناعه عن مبايعته ومطالبته بأخذ ثأر عثمان،[193] فوقعت بين الفريقين معركة صفين الشهيرة، وبعدها اتفق علي مع معاوية أن يعين كل منهما حكمًا من طرفه ليفصلا الخلاف، وتهادنا على ذلك وحررا به عهدًا بين أبي موسى الأشعري بالنيابة عن علي وعمرو بن العاص بالنيابة عن معاوية، واجتمع الحكمان لإيجاد حل للنزاع، فدار بينهما جدال طويل، واتفقا في النهاية على خلع معاوية وعلي وترك الأمر للمسلمين لاختيار الخليفة. خرج الحكمان للناس لإعلان النتيجة التي توصلا إليها، فأعلن أبي موسى الأشعري خلع علي ومعاوية، لكن عمرو بن العاص أعلن خلع علي وتثبيت معاوية.[190][195] بعد حادثة التحكيم عاد القتال من جديد واستطاع معاوية أن يحقق بعض الانتصارات وضم عمرو بن العاص مصر بالإضافة إلى الشام وقتل واليها محمد بن أبي بكر. ورغم أن علي لم يقم بأي فتوحات طوال فترة حكمه إلا أنها اتصفت بالكثير من المنجزات المدنية والحضارية منها تنظيم الشرطة وإنشاء مراكز متخصصة لخدمة العامة كدار المظالم ومربد الضوال وبناء السجون.[196][197] وأمر أبا الأسود الدؤلي بتشكيل حروف القرآن لأول مرة [198][199]
مسجد الإمام علي بالنجف حيث دُفن علي بن أبي طالب حسب الرواية الشيعية.
وبتاريخ 24 يناير سنة 661م، الموافق في 17 رمضان سنة 40هـ، كان علي يؤم المسلمين بصلاة الفجر في مسجد الكوفة، وأثناء الصلاة ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم على رأسه، وتقول بعض الروايات أن علي بن أبي طالب كان في الطريق إلى المسجد حين قتله بن ملجم،[200][201] فحُمل إلى بيته وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فتوفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدًا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 سنة حسب بعض الأقوال.[200] واختُلف في المحل الذي دُفن فيه.[202]
[عدل] العصر الأموي (661–750)
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :معركة كربلاء، خلافة أموية و حصار القسطنطينية الثاني
صورة افتراضية للإمام الحسين بن علي وهو يُخاطب الجيش الأموي.
وبعد قتل الإمام علي رابع الخلفاء الراشدين، بويع لابنه الحسن في العراق والحجاز وباقي البلاد الإسلامية ما عدا الشام ومصر.[203] فجمع معاوية جيشًا لمحاربته واستعد الحسن كذلك للقتال،[204] لكن ثارت الفتنة بين جنوده وانسحب كثير ممن كان حوله.[205] فلما رأى ذلك كتب إلى إلى معاوية أنه مستعد للتنازل إليه عن حقه في الخلافة بشرط أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة وخراج ولاية دارابجرد الفارسية وأن لا يسب عليًا ولا يجعل الخلافة وراثية في عائلته،[206] وأن تعود الخلافة إليه أو إلى أخيه الحسين بحال وفاة معاوية، وذلك وفق المصادر الشيعية.[207] وبعد ذلك تنازل الحسن لمعاوية وكتب إلى قيس بن سعد قائد جيوشه بأن يُبايع معاوية، فدخل الأخير الكوفة وصارت له الخلافة على جميع الأقاليم بدون مشارك أو منازع، فكان مؤسس السلالة الأموية.[208] اتخذ معاوية بعد ذلك من مدينة دمشق عاصمة له فأصبحت في عهده محور النشاط السياسي والاجتماعي للدولة الإسلامية. أما الحسن بن علي فقد عاد إلى المدينة المنورة وأقام بها إلى أن توفي حوالي السادس من مارس سنة 670م، الموافق في 7[209] أو 28 صفر سنة 50هـ[210] ودُفن في البقيع، وقال البعض أنه مات مسمومًا بينما قال آخرون أنه توفي بالقرحة.[معلومة 6] وأهم ما حصل في أيام معاوية حصار مدينة القسطنطينية لأول مرة من قبل المسلمين،[211] وتأسيس عقبة بن نافع مدينة القيروان بتونس،[212] ودخول سعد بن عثمان بن عفّان مدينة سمرقند.[213] وفي سنة 56هـ بايع معاوية الناس لابنه يزيد بولاية العهد، فامتنع الحسين بن علي بن أبي طالب وتبعه بعضهم. ولمّا بويع ليزيد بعد موت أبيه أصرّ الحسين على امتناعه وسار من المدينة المنورة إلى الكوفة لمحاربة يزيد، فالتقى بجنوده في الموضع المعروف بكربلاء، وعند وصول جيش الأمويين تخلّى أهل الكوفة عن نجدة الحسين ولم يبق معه إلا أهله وأصحابه. حاول قائد الأمويين إقناع الحسين بمبايعة يزيد والعدول عن القتال والعودة إلى الحجاز إلا أنه رفض. وجرت المعركة بتاريخ 10 محرم سنة 61هـ، الموافق في 12 أكتوبر سنة 680م،[214][215] وانتهت بمقتل الحسين وأهل بيته،[216] فكان لهذا صدىً مؤلم في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
مسجد عقبة بن نافع، أحد أبرز المعالم الإسلامية الأموية.[217]
توالى على منصب الخلافة بعد مقتل الإمام الحسين إثنا عشر خليفة واستمرت الخلافة الأموية نحوًا من تسعين سنة وانتشر الإسلام في ظلها انتشارًا عظيمًا، ففي سنة 705م افتتحت بلاد المغرب على يد موسى بن نصير من قبل الخليفة الوليد بن عبد الملك،[218] ثم أرسل موسى قائد جيشه طارق بن زياد في حملة عسكرية إلى لفتح الأندلس، فاستطاع الأخير الوصول إلى شبه الجزيرة الأيبيرية سنة 711م وقاتل القوطيين وراح يفتح القلاع والمدن الواحدة تلو الأخرى حتى سقطت كامل شبه الجزيرة بأيدي المسلمين عدا الجبال الشمالية الغربية منها. ثم توغل المسلمون في أوروبا حتى أوقفهم شارل مارتل في تور بفرنسا عام 732م وذلك في معركة دامية أنقذت أوروبا أمام اندفاع الفاتحين المسلمين. هذا في الغرب، أما في الشرق فكانت ألوية الدولة الأموية ترفرف في السند وكاشغر وطشقند، وفي الشمال ثبّت المسلمون أقدامهم في أرمينيا وسفوح جبال القوقاز الجنوبية، أما في الجنوب فكان المحيط الهندي حائلاً طبيعيًا منع المسلمون من تجاوزه.[219]
انهمك بعض الخلفاء الأمويين في ملذاتهم، وانصرفوا عن شؤون الدولة إلى نزاعهم مع بعض أفراد البيت الأموي. وصادف ذلك إعلان الثورة العبّاسية التي تدعو لبني العبّاس، فكان ضعف الخلفاء وانشغالهم في أمورهم الخاصة ونقمة الناس عليهم أسبابًا أدت إلى نجاح الثورة العبّاسية وانتشارها بين الرعيّة وبشكل خاص الفرس الذين أبعدهم الأمويين عن مناصب الدولة.[220]
[عدل] العصر العبّاسي (750–1258؛ 1261–1517)
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :خلافة عباسية، أبو مسلم الخراساني، معركة الزاب و العصر الذهبي للإسلام
نهر الزاب الكبير حيث وقعت المعركة بين الأمويين والعباسيين.
اندلعت الثورة العبّاسية في مقاطعة خراسان بقيادة أبي مسلم الخراساني عام 747م. سقط ذلك الإقليم بيد الثوّار ثم سقطت مدينة الكوفة في العراق سنة 749م، وفي أواخر السنة نفسها بويع أبو العباس السفاح بالخلافة في مسجد الكوفة. قام مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين بمحاولة للتصدي للثورة العبّاسية، فالتقى بقواتهم على ضفة نهر الزاب،[221] وهو فرع من نهر دجلة، فانهزم أمام القوات الثائرة وتمكن العبّاسيون من احتلال دمشق وأقاموا دولتهم على أنقاض الدولة الأموية. قضى أبو العبّاس معظم عهده في محاربة قوّاد العرب الذين ناصروا بني أمية حتى أبادهم عن بكرة أبيهم ولم يفلت منهم إلا عبد الرحمن الداخل الذي استولى على الأندلس وأسس فيها الدولة الأموية، فكانت بذلك أقدم الأقاليم عهدًا بالانفصال عن الخلافة العبّاسية.[222] وبعد أبو العباس السفاح، تولى أخوه أبو جعفر المنصور خلافة المسلمين،[223][224] ويُعد الأخير المؤسس الحقيقي للدولة العبّاسية، حيث استطاع بحزمه وكيده أن يتغلب على الأحداث الخطيرة التي حدثت في عهده ومنها خلع عيسى بن موسى بن محمد العباسي من ولاية العهد وأخذ البيعة للمهدي بن المنصور. وقد ذهب بعض المؤرخين إلى أن المنصور كان أعظم الخلفاء العباسيين شدة وبأسًا وحزمًا وإصلاحًا،[225] وقد انحدر منه جميع الخلفاء الذين ارتقوا الخلافة العباسية بعده، وعددهم خمسة وثلاثون.[226]
وشهدت الخلافة العباسية عصرها الذهبي في المدة التي بدأت بولاية الخليفة الثالث، أبو عبد الله محمد المهدي، وانتهت في زمن الخليفة التاسع، أبو جعفر هارون الواثق بالله. وبلغ العصر الذهبي أوج عزّه ومجده أيام هارون الرشيد وأبو العباس عبد الله المأمون، ويعد المؤرخون عهدهما أزهى عصور التاريخ العربي الإسلامي على الإطلاق. ففي هذا العهد ازدهرت عاصمة الخلافة بغداد وأصبحت حاضرة العلوم والفنون،[227] واكتمل تدوين كتب الصحاح الستة وتأسست المذاهب الفقهية الكبرى.[228] وظهر عدد من الفلاسفة والأطباء وعلماء الرياضيات والكيمياء الذين كان لأبحاثهم تأثير كبير على تقدم البشرية في العصور اللاحقة، ومن هؤلاء إبن سينا الذي برع في مجال الطب والفلسفة والفيزياء وغيرها من العلوم، وأقدم على ترجمة الكثير من كتب اليونان إلى جانب أبو نصر محمد الفارابي، وتشذيب مبادئها الفلسفية بحيث لا تتعارض والشريعة الإسلامية.[229] كذلك ظهرت الطريقة الصوفيّة في هذه الفترة واتبعها عدد من الناس، وانشقت الشيعة إلى طائفتين بسبب الاختلاف على تسمية الإمام بعد وفاة جعفر الصادق.[230] ونظرًا للانتشار الواسع والسريع للإسلام في ذلك العهد واعتناق دول مسيحية سابقة بأغلبها لهذا الدين، قام بعض الكهنة والرهبان في أوروبا بتصوير الإسلام على أنه دين معاد للمسيح وأن أتباعه رجال شهوانيين دون البشر،[231] إلا أن الكنيسة الكاثوليكية لم تصدر أي بيان بشأن هذا الموضوع حتى تاريخ انعقاد المجمع الڤاتيكياني الثاني، وقد جاء بيانها عندئذ إيجابيًا ويصور المسلمين على أنهم، كما المسيحيين، يدعون للخير وعبادة ذات الإله الذي يعبده المسيحيون.[232]
باحة جامعة القيروان، إحدى أقدم الجامعات المستمرة بمنح الشهادات العلمية في العالم.
وخلال هذا العهد بُني أيضًا بيت الحكمة الذي ضم خزانة كتب ودار علم وترجمة، وأنشأت البيمارستانان، فكانت طليعة المستشفيات الحديثة في العالم،[233] حيث كانت تمنح شهادات في الطب للطلبة ولا تسمح لسواهم بمداواة الناس،[234][235] وتأسست الجامعات في طول البلاد وعرضها، وما زالت إحداها، وهي جامعة القيروان، مستمرة في منح الشهادات للطلاّب،[236] وأُدخل المنهج الاختباري التجريبي لتفرقة الصحيح من الباطل من النظريات العلمية،[237][238] وأبرز من طبّق هذا المنهج أبو علي الحسن بن الحسن بن الهيثم، المعروف بكونه "أول عالم حقيقي في التاريخ".[239] كذلك يُعتقد أن مبدأ الاستشهاد بالمراجع أوّل ما طبق في هذا العصر.[237][240]
التفكك وزوال هيبة الخلافة
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :خلافة قرطبة، أدارسة، طولونيون، إخشيديون، حمدانيون، خلافة فاطمية، سلاجقة، حملات صليبية، زنكيون و أيوبيون
أخذت الدولة العبّاسية تتفكك إلى عدد من الدويلات والإمارات منذ نهاية القرن التاسع، ويمكن إيعاز تفكك الدولة إلى عدّة أسباب منها: بروز حركات شعوبية ودينية مختلفة في هذا العصر، وقد أدّت النزعة الشعوبية إلى تفضيل الشعوب غير العربية على العرب، حيث قيل أن هذه الشعوب تتفوق على العرب في الحضارة وفي الأدب والشعر. وقام جدل طويل بين طرفيّ النزاع، وانتصر لكل فريق أبناؤه من الشعراء والمؤلفين ورجال السياسة. وهذا الانشقاق بين رعايا الدولة أدى إلى نجاح أول حركة فارسيّة انفصالية عن الدولة العبّاسية، على يد قائد المأمون: طاهر بن الحسين الذي أنشأ الدولة الطاهرية في خراسان سنة 819، وتوارث حكمها بنوه من بعده. وقبل ذلك التاريخ كان الأمير العلوي إدريس بن عبد الله، وهو من أحفاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، قد أسس دولة الأدارسة في المغرب وعاصمتها مدينة فاس،[241] فكانت أول دولة شيعية قوية في التاريخ.[242] كذلك كان الأمير إبراهيم بن الأغلب الذي ولاّه هارون الرشيد على تونس قد استقل بها سابقًا وأسس دولة الأغالبة وعاصمتها القيروان؛ وشنّ عدّة حملات على إيطاليا وفرنسا وكورسيكا ومالطة.[243]
جانب من مسجد ابن طولون بالقاهرة، أحد أبرز المعالم الطولونية الإسلامية.
وإلى جانب الشعوبية السياسية، تكوّنت فرق دينية متعددة عارضت الحكم العبّاسي. وكان محور الخلاف بين هذه الفرق وبين الحكام العبّاسيين هو "الخلافة" أو إمامة المسلمين. ومن هذه الفرق: الخوارج والشيعة والقرامطة والحشاشون، وكان لكل جماعة منهم مبادئها الخاصة ونظامها الخاص وشعاراتها وطريقتها في الدعوة إلى هذه المبادئ الهادفة لتحقيق أهدافها في إقامة الحكم الذي تريد. وجعلت هذه الفرق الناس طوائف وأحزابًا، وأصبحت المجتمعات العباسيّة ميادين تتصارع فيها الآراء وتتناقض، فوسّع ذلك من الخلاف السياسي بين مواطني الدولة العبّاسية وساعد على تصدّع الوحدة العقائدية التي هي أساس الوحدة السياسية.[244] ومن العوامل الداخلية التي شجعت على انتشار الحركات الانفصالية، إتساع رقعة الدولة العبّاسية، ذلك أن بعد العاصمة والمسافة بين أجزاء الدولة وصعوبة المواصلات في ذلك الزمن، جعلا الولاة في البلاد النائية يتجاوزون سلطاتهم ويستقلون بشؤون ولاياتهم دون أن يخشوا الجيوش القادمة من عاصمة الخلافة لإخماد حركتهم الانفصالية والتي لم تكن تصل إلا بعد فوات الأوان، وكانت معظم هذه الحركات الانفصالية فارسية في بداية الأمر، ومن الدويلات الفارسية التي ظهرت: الدولة الزيادية في اليمن، الدولة الصفارية في خراسان، الدولة الزيدية في الكوفة ثم طبرستان، الدولة السامانية في بلاد ما وراء النهر، والدولة الساجية في أرمينيا وأذربيجان.[245]
المسجد الأزهر، أبرز معالم الخلافة الفاطمية الباقية.
وشهد التاريخ العبّاسي، منذ عهد المتوكل، عصر الاستبداد العسكري التركي الذي دام مائة سنة، وفيه اشتدت حركة الانفصال عن الدولة العبّاسية، فانفرد الطولونيون بمصر، الذين ينسبون إلى الأمير أحمد بن طولون ابن أحد الأتراك الذي ولاه المأمون على مصر،[246] انفردوا بحكمها من سنة 868 حتى سنة 905م.[247] وفي سنة 909م أسس سعيد بن حسين، الذي ادعى أنه حفيد الإمام جعفر الصادق، أسس الخلافة الفاطمية في تونس بعد أن نشر أحد الدعاة واسمه أبو عبد الله الحسين، المذهب الإسماعيلي بين السكان من الأمازيغ والعرب. وفي سنة 932م قُتل الخليفة أبو الفضل جعفر المقتدر بالله، فعمّت الفوضى بالدولة العبّاسية وطغت عليها موجة فتن وجراح لم تلتئم لمدة طويلة، وظهرت دويلات جديدة مثل: دولة بني بويه الفارسية التي سيطرت على بلاد فارس والعراق واعتبر قيامها انتصارًا للعنصر الفارسي على التركي، والدولة الغزنوية التي تُنسب إلى ألب تكين التركي؛ والتي توسعت وسيطرت على الهند وعاد العنصر التركي فيها لينتصر على العنصر الفارسي في زعامة العالم الإسلامي.[248] وبعد ثلاثين سنة من زوال الحكم الطولوني في مصر، استفرد بها الإخشيديين الذين يُنسبون لأبو بكر محمد بن طغج بن جف من أولاد ملوك فرغانة، الملقب بالأخشيد، وفي عهدهم انتزع سيف الدولة الحمداني مدينة حلب وأنشأ فيها دولة سنة 945م، وضم إليها سوريا الشمالية.[249] ظل الحكم الإخشيدي قائمًا في مصر إلى أن استولى عليها الفاطميّون سنة 969م، ومن أبرز أعمال هؤلاء بناء مدينة القاهرة والمسجد الأزهر بهدف نشر الدعوة الإسماعيلية.[250]
رسم فرنسي من القرن الخامس عشر يُصور معركة ملاذكرد بين السلاجقة والروم، وقد صوّرت فيه الجنود، خطًأ، مرتدية دروعًا أوروبية غربية.
ولم يلبث أن ظهر عنصر جديد من الأتراك هم الأتراك السلاجقة الذين يُنسبون إلى سلجوق بن دقاق، وقد استطاع هؤلاء أن يتفوقوا عسكريًا على الجيوش العبّاسية، لكنهم استمروا باحترام منصب الخليفة وسلطته الزمنية.[251] حارب السلاجقة قبائل الترك الوثنية ونشروا فيها الدين الإسلامي، وقد استعان الخليفة بهم في بغداد عام 1055 للقضاء على ثورة الفاطميين الذين استولوا على العاصمة وعدّة مدن عراقية، وبذلك أصبحوا يديرون السلطة في الدولة العبّاسية. بعد هذا النصر على الفاطميين تطلع طغرل بك، حفيد سلجوق، إلى الإمبراطورية البيزنطية ورغب في ممتلكاتها، لكنه لم يتمكن من فتح شيء من الأقاليم التابعة لها، لكن خليفته ألب أرسلان استطاع بمساعدة وزيره نظام الملك من تنظيم أمور الدولة والانتصار على الإمبراطور البيزنطي رومانوس ديوجينوس الرابع في معركة ملاذكرد عام 1071م.[252] وبهذه المعركة انفتحت الطريق أمام السلاجقة للدخول إلى آسيا الصغرى حيث أسسوا دولتهم وعرفوا بسلاجقة الروم.[253]
الصليبيون يدخلون القدس يوم 15 يوليو سنة 1099
1. كنيسة القيامة
2. قبة الصخرة
3. الأسوار
وفي الفترة الممتدة بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر، شنّت الممالك الأوروبية المسيحية الكاثوليكية سلسلة حروب على الشرق الإسلامي لاستعادة الأراضي المقدسة، وخاصة مدينة القدس، من أيدي المسلمين، فعُرفت هذه الحروب بالحروب الصليبية. ومن أسباب الحروب الصليبية الأخرى أيضًا: النداءات التي وجهها البيزنطيون إلى أوروبا بعد هزيمتهم على يد السلاجقة وفقدانهم آسيا الصغرى لصالحهم، للمساعدة على الوقوف في وجه التوسع الإسلامي، وكذلك ما لقاه الحجاج المسيحيون من اضطهاد عند تفكك الدولة العبّاسية، ولهدم كنيسة القيامة أيام الفاطميين بأمر من الخليفة الحاكم بأمر الله.[254] أما الدافع المباشر للحروب الصليبية فكان الموعظة التي ألقاها البابا أوربانوس الثاني في مجمع كلرمونت سنة 1095م، وحث فيها العالم المسيحي على الحرب لتخليص القبر المقدس من أيدي المسلمين. كذلك كان هناك دوافع أخرى مثل تأسيس الممالك والإمارات وتوسيع نطاق التجارة في الشرق وحب المغامرة والأسفار. وبناءً على ذلك انطلقت الحملة الصليبية الأولى واستولت على المناطق الساحلية الشاميّة ووصلت القدس في 15 يوليو سنة 1099.[254] أسس الصليبيون بعد فتح القدس "المملكة اللاتينية" التي بلغت أوج قوتها في الثلث الأول من القرن الثاني عشر، ولكنها لم تلبث أن أخذت تتضعضع وتنهار، فتمكن منها المسلمون حيث استطاع نور الدين زنكي، رئيس دولة الأتابكة، استرجاع إمارة الرها سنة 1144 وأقسامًا من إمارتي أنطاكية وطرابلس. وفي سنة 1175 أسس صلاح الدين الأيوبي الدولة الأيوبية التي وحدت مصر وبلاد الشام والحجاز، بعد أن خلع آخر الخلفاء الفاطميين،[255] وشن سلسلة من المعارك على الصليبين كان أبرزها معركة حطين سنة 1187 التي انتصر فيها المسلمون نصرًا كبيرًا، واستعادوا القدس وأغلب المدن الشاميّة.[256] وبعد وفاة صلاح الدين دب الضعف والارتباك في جسم الدولة الأيوبية وزالت نهائيًا في سنة 1250.
آخر خلفاء بني العبّاس في بغداد، المستعصم بالله، يأسره هولاكو خان المغولي.
وبعد سقوط الدولة الأيوبية، قامت على أنقاضها السلطنة المملوكية في مصر بعد ثورة قام بها المماليك سنة 1250،[257] وكانت جحافل المغول الزاحفة من أواسط آسيا قد وصلت أبواب بغداد، فخرج الخليفة العباسي، المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله، لملاقاة زعيمها هولاكو خان، فطلب منه الأخير أن يأمر أهل بغداد بوضع سلاحهم والخروج من المدينة. بعدها أعمل المغول السيف في رقاب أهل بغداد أربعين يومًا وسلبوا الأموال وأهلكوا الكثيرين وقتلوا الخليفة وابنيه وأخواته.[258] ثم توجه المغول غربًا واستولوا على أهم المدن السورية مثل دمشق وحلب، قبل أن يتحولوا جنوبًا قاصدين مصر، فتصدى لهم جيش المماليك بقياة الظاهر بيبرس وسيف الدين قطز، وانتصر عليهم في معركة عين جالوت قرب مدينة الناصرة في سنة 1260 وأراح الشام من شرهم إلى حين. بعد انتصاره على المغول هاجم بيبرس الصليبين فصارت قلاعهم ومدنهم تسقط واحدة تلو الأخرى، واستمر المماليك يلحقون الهزائم بالصليبيين حتى استولى السلطان الأشرف صلاح الدين خليل على مرفأهم الرئيسي، أي مدينة عكا، فجلوا عن المدن الأخرى وركبوا البحر عائدين لبلادهم.[259] وفي عهد المماليك أعتنق كثيرًا من خاقانات المغول الإسلام دينًا ونشروه في الأقاليم الخاضعة لهم في آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وأوروبا الشرقية وشبه جزيرة القرم.[260] ونقل العبّاسيون مقر الخلافة إلى مدينة القاهرة. توالى على حكم المماليك في مصر، منذ منتصف القرن الخامس عشر سلاطين ضعاف، باستثناء بعض الشخصيات القوية مثل السلطان قايتباي والسلطان قانصوه الغوري الذي أراد النهوض بدولته لكنه لم يستطع، بعد أن كانت جموع العثمانيين قد زحفت على سوريا وهددت مصر نفسها بالسقوط.
[عدل] العصر العثماني (1517-1923)
Crystal Clear app kdict.png طالع أيضا :سقوط الأندلس، الدولة العثمانية، فتح القسطنطينية، معركة مرج دابق و معركة الريدانية
السلطان محمد الثاني يدخل القسطنطينية.
ينتسب العثمانيون إلى أرطغرل، زعيم عشيرة قايي التركية المغولية، الذي عمل في خدمة علاء الدين السلجوقي سلطان قونية. وبعد وفاته تولّى زعامة قومه ابنه عثمان، فأخلص الولاء للدولة السلجوقية على الرغم مما كانت تتخبط فيه من مشاكل، وحين تغلب المغول على دولة قونية السلجوقية، سارع عثمان لإعلان استقلاله عن السلاجقة، فكان المؤسس الحقيقي لهذه الدولة التركية الكبرى التي نُسبت إليه فيما بعد. قام عثمان وخلفاءه فيما بعد بفتح عدد من الإمارات والبلدان المجاورة التي لم يسبق لها أن دخلت في الإسلام، مثل اليونان ومقدونيا وألبانيا وبلغاريا، وفي سنة 1453 استطاع سابع سلاطين آل عثمان، محمد الثاني، أن يفتح مدينة القسطنطينية ويقضي على الإمبراطورية البيزنطية،[134] فابتهج المسلمون حول العالم ابتهاجًا عظيمًا، اعتقادًا منهم أن النبؤة التي كان النبي محمد قال بها قد تحققت: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش".[261] ويعود انتصار العثمانيين على البيزنطيين إلى استخدامهم سلاح المدفعية والتدريب العالي والكفاءة الكبيرة التي تمتع بها الجنود.[262] وفي هذا العصر برزت عدّة دول إسلامية شرق الأناضول والشام، كالدولة التيمورية والدولة الصفوية، والأخيرة تأسست على يد الشاه إسماعيل الأول بن حيدر الصفوي، في إيران وأذربيجان وشرق العراق، وكان إسماعيل قد فرض التشيّع على أهل البلاد الخاضعة له وجعل الشيعة المقيمين في آسيا الصغرى يثورون على الدولة العثمانية،[263] فأخضع السلطان سليم الأول، حفيد محمد الثاني، هذه الثورة، وذلك بأن جمع الشيعة المقيمين على حدود إيران والعراق، وفتك بهم جميعًا، ويُقال أن عددهم وصل إلى أربعين ألفًا.[264] وبعد إخضاعه للثورة الشيعية، قاتل سليم الصفويين وانتصر عليهم في معركة چالديران. وبعد هذه المعركة حوّل سليم أنظاره نحو السلطنة المملوكية، بعد أن كان المماليك قد عقدوا معاهدة سرية مع الصفويين خوفًا من سياسة سليم التوسعية والتي كان يهدف من ورائها على ما يظهر في توحيد جميع البلدان السنيّة تحت تاجه.[265]
السلطان سليم الأول، أول من حمل لقب "أمير المؤمنين" من آل عثمان.
وفي سنة 1516 توجه السلطان سليم على رأس جيوشه إلى سوريا وهزم المماليك في معركة مرج دابق، فسقطت بلاد الشام بيده، ثم تابع سيره حتى وصل مصر وقاتل المماليك قتالاً شديدًا في معركة الريدانية وتغلّب عليهم فسقطت مصر بيده في 13 أبريل سنة 1517،[132] واستصحب معه أثناء عودته إلى القسطنطينية آخر الخلفاء العباسيين، محمد المتوكل على الله، حيث تنازل له عن الخلافة، فأصبح بنو عثمان بذلك خلفاء المسلمين منذ ذلك التاريخ.[135] وبعد وفاة السلطان سليم الأول ارتقى عرش الدولة ابنه سليمان، وفي عهده تقدمت الفتوحات تقدمًا عظيمًا، فاستولى العثمانيون على أقاليم وإمارات كثيرة من أوروبا الشرقية وفتحوا مدينة بلگراد،[266] وحاصروا مدينة ڤيينا مرتين لكنهم لم يستطيعوا اقتحامها.[267] وبعد انقضاء عهد السلطان سليمان، أصيبت الدولة بالضعف والتفسخ، ولم تنهض مجددًا إلا في عهد السلطان محمد الرابع والمصلح الكبير محمد كوبرولي، ففي تلك الفترة هاجم العثمانيون أوكرانيا واستولوا عليها، ثم حاصروا ڤيينا للمرة الأخيرة بتاريخ 17 يوليو سنة 1683 ولكنهم صُدوا عنها. ومنذ ذلك الحين توالت الهزائم على العثمانيين ففقدوا معظم ممتلكاتهم في أوروبا.[268]
وفي القرن الثامن عشر، ظهرت الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية على يد محمد بن عبد الوهاب، ودعت إلى تطهير الدين الإسلامي من الشوائب التي علقت فيه طيلة القرون الماضية والعودة إلى الإسلام الأساسي دون غيره،[269] فحارب العثمانيون هذه الحركة وتمكنوا من القضاء على ثورة أتباعها، لكنهم لم يطفؤها تمامًا، إذ انبثقت منها في القرن التاسع عشر الدعوة السلفية، والدیوبندية، والبريلوية. وفي ذات القرن زالت إمبراطورية مغول الهند الإسلامية تمامًا بعد أن قضى عليها البريطانيون،[270] واشتدت النزعة القومية في دول البلقان مما أدى لاستقلال العديد منها عن الدولة العثمانية، كذلك ازدادت نسبة المهاجرين من المسلمين الهنود والإندونيسيين إلى دول الكاريبي مما ولّد أكبر مجتمع إسلامي في الأمريكيتين.[271] أضف إلى ذلك أن إنشاء طرق تجارية جديدة في أفريقيا المستعمرة حديثًا، جعل العديد من الدعاة المسلمين ينتقلون إلى تلك الناحية من العالم بهدف نشر الدعوة الإسلامية، ويُقدّر أن عدد المسلمين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تضاعف بين سنتيّ 1869 و1914.[272] انقضى العصر العثماني عند نهاية الحرب العالمية الأولى وانهزام الدولة العثمانية أمام قوّات الحلفاء، واحتلال قواتها لمعظم أنحاء الدولة. وفي سنة 1924 ألغى رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك منصب الخليفة وأزال سلطته الزمنية والدينية من الوجود.[273][274]
[عدل] ما بعد العصر العثماني (1918–الحاضر)
Crystal Clear app kdict.png مقالات تفصيلية :سقوط الدولة العثمانية، الثورة العربية الكبرى، النزاع العربي الإسرائيلي، العلمانية في الشرق الأوسط و الثورة الإيرانية الإسلامية
علم منظمة المؤتمر الإسلامي.
كانت معظم الدول الإسلامية غير الخاضعة للسلطان العثماني قد تم احتلالها من قبل دول أوروبية مختلفة في أوائل القرن العشرين. وبعد أن انهزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، اقتسمت الدول الظافرة، وبشكل خاص بريطانيا وفرنسا، اقتسمت معظم الأراضي التابعة للدولة بموجب اتفاقية سايكس بيكو، وأخضعتها لحكمها. وخلال القرن العشرين استقلت جميع هذه الدول وأصبح لكل منها كيانه الخاص ومصالحه الذاتية، ولم يعد يربطها ببعضها سوى رابط اللغة أو الثقافة أو الأخوّة، وقد جرت بضعة محاولات لتوحيد البعض من هذه الدول، كمحاولة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في توحيد سوريا ومصر، ولكنها باءت بالفشل إجمالاً.[275]
تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي في شهر سبتمبر من سنة 1969 وانضمت إليها جميع الدول الإسلامية في العالم، وذلك بعد حادثة إحراق المسجد الأقصى على يد متطرفين إسرائيليين قالوا بوجود هيكل سليمان تحت المسجد.[276] وفي أواخر القرن العشرين اندلعت الثورة الإسلامية في إيران وتحولت الدولة إلى دولة إسلامية تستمد مبادئها من الشريعة، كذلك نشأت عدّة تنظيمات وأحزاب في عدد من الدول لمقاومة الاحتلال الأجنبي لبلادها،[277] مثل حزب الله في لبنان، وتنظيم القاعدة في أفغانستان. وفي مستهل القرن الحادي والعشرين وقعت هجمات إرهابية على برجيّ مركز التجارة الع