الموسوعة الثقافية
مرحبا بزوارنا الكرام منتدانا مختص بالثقافة و العلوم فلكل من يرغب الجديد عليه فقط الضغط على التسجيل
الموسوعة الثقافية
مرحبا بزوارنا الكرام منتدانا مختص بالثقافة و العلوم فلكل من يرغب الجديد عليه فقط الضغط على التسجيل
الموسوعة الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموسوعة الثقافية

يهتم بالثقافة و مختلف العلوم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأيام (1 - 2) طه حسين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
neutron
جديد
جديد
neutron


عدد المساهمات : 53
نقاط : 159
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 11/06/2012
العمر : 26
الموقع : www.cemfilfila.info

الأيام  (1 - 2)  طه حسين Empty
مُساهمةموضوع: الأيام (1 - 2) طه حسين   الأيام  (1 - 2)  طه حسين Emptyالأربعاء 13 يونيو 2012 - 20:45

لا يذكر لهذا اليوم اسمًا, ولا يستطيع أن يضعه حيث وضعه اللّه من الشهر والسنة, بل لا يستطيع أن يذكر من هذا اليوم وقتًا بعينه, وإنما يقرّب ذلك تقريبًا.


وأكبر ظنه أن هذا الوقت كان يقع من ذلك اليوم في فجره أو في عشائه. يرجح ذلك لأنه يذكر أن وجهه تلقى في ذلك الوقت هواءً فيه شيء من البرْد الخفيف الذي لم تذهب به حرارة الشمس. ويرجح ذلك لأنه على جهله حقيقة النور والظلمة, يكاد يذكر أنه تلقّى حين خرج من البيت نورًا هادئًا خفيفًا لطيفًا كأن الظلمة تغشى بعض حواشيه. ثم يرجح ذلك لأنه يكاد يذكر أنه حين تلقى هذا الهواءَ وهذا الضياء لم يأنس من حوله حركة يقظة قوية, وإنما آنس حركة مستيقظة من نوم أو مقبلة عليه. وإذا كان قد بقي له من هذا الوقت ذكرى واضحة بينّة لا سبيل إلى الشك فيها, فإنما هي ذكرى هذا السياج الذي كان يقوم أمامه من القصب, والذي لم يكن بينه وبين باب الدار إلا خطوات قصار. هو يذكر هذ السياج كأنه رآه أمس. يذكر أن قصب هذا السياج كان أطول من قامته, فكان من العسير عليه أن يتخطاه إلى ما وراءه. ويذكر أن قصب هذا السياج كان مقتربًا كأنما كان متلاصقًا, فلم يكن يستطيع أن ينسل في ثناياه. ويذكر أن قصب هذا السياج كان يمتد عن شماله إلى حيث لا يعلم له نهاية, وكان يمتد عن يمينه إلى آخر الدنيا من هذه الناحية. وكان آخر الدنيا من هذه الناحية قريبًا, فقد كانت تنتهي إلى قناة عرفها حين تقدمت به السن, وكان لها في حياته ـ أو قل في خياله ـ تأثير عظيم.


يذكر هذا كله, ويذكر أنه كان يحسد الأرانب التي كانت تخرج من الدار كما يخرج منها, وتتخطى السياج وثبًا من فوق, أو انسيابًا بين قصبه, إلى حيث تقرض ما كان وراءه من نبت أخضر, يذكر منه الكرنب خاصة.


ثم يذكر أنه كان يحب الخروج من الدار إذا غربت الشمس وتعشَّى الناس, فيعتمد على قصب هذا السياج, مفكرًا مغرقًا في التفكير, حتى يردَّه إلى ما حوله صوت الشاعر قد جلس على مسافة من شماله, والتف حوله الناس وأخذ ينشدهم في نغمة عذبة غريبة أخبار أبي زيد وخليفة ودياب, وهم سكوت إلا حين يستخفهم الطرب أو تستفزهم الشهوة, فيستعيدون ويتمارون ويختصمون, ويسكت الشاعر حتى يفرغوا من لغطهم بعد وقت قصير أو طويل, ثم يستأنف إنشاده العذب بنغمته التي لا تكاد تتغير.


ثم يذكر أنه كان لا يخرج ليلة إلى موقفه من السياج إلا وفي نفسه حسرة لاذعة, لأنه كان يقدّر أن سيقطع عليه استماعه لنشيد الشاعر حين تدعوه أخته إلى الدخول فيأبى فتخرج فتشده من ثوبه فيمتنع عليها, فتحمله بين ذراعيها كأنه الثمامة, وتعدو به إلى حيث تنيمه على الأرض وتضع رأسه على فخذ أمه, ثم تعمد هذه إلى عينيه المظلمتين فتفتحهما واحدة بعد الأخرى, وتقطر فيهما سائلا يؤذيه ولا يجدي عليه خيرًا, وهو يألم ولكنه لا يشكو ولا يبكي لأنه كان يكره أن يكون كأخته الصغيرة بكّاءً شكّاءً.


ثم يُنقل إلى زاوية في حجرة صغيرة, فتنيمه أخته على حصير قد بسط عليها لحاف, وتلقي عليه لحافا آخر, وتذره وإن في نفسه لحسرات, وإنه ليمدّ سمعه مدًّا يكاد يخترق به الحائط لعله يستطيع أن يصله بهذه النغمات الحلوة التي يرددها الشاعر في الهواء الطلق تحت السماء. ثم يأخذه النوم, فما يحس إلا وقد استيقظ والناس نيام, ومن حوله إخوته وأخواته يغطون فيسرفون في الغطيط, فيلقي اللحاف عن وجهه في خيفة وتردد, لأنه كان يكره أن ينام مكشوف الوجه. وكان واثقًا أنه إن كشف وجهه أثناء الليل أو أخرج أحد أطرافه من اللحاف, فلابد من أن يعبث به عفريت من العفاريت الكثيرة التي كانت تعمر أقطار البيت وتملأ أرجاءه ونواحيه, والتي كانت تهبط تحت الأرض ما أضاءت الشمس واضطرب الناس. فإذا أوت الشمس إلى كهفها, والناس إلى مضاجعهم, وأطفئت السُّرج, وهدأت الأصوات, صعدت هذه العفاريت من تحت الأرض وملأت الفضاء حركة واضطرابًا وتهامسًا وصياحًا.


وكان كثيرا ما يستيقظ فيسمع تجاوب الديكة وتصايح الدجاج, ويجتهد في أن يميز بين هذه الأصوات المختلفة. فأما بعضها فكانت أصوات ديكة حقًّا, وأما بعضها الآخر فكانت أصوات عفاريت تتشكل بأشكال الديكة وتقلدها عبثًا وكيدًا. ولم يكن يحفل بهذه الأصوات ولا يهابها, لأنها كانت تصل إليه من بعيد. إنما كان يخاف الخوف كله أصواتًا أخرى لم يكن يتبينها إلا بمشقة وجهد, كانت تنبعث من زوايا الحجرة نحيفة ضئيلة, يمثل بعضها أزيز المرجل يغلي على النار, ويمثل بعضها الآخر حركة متاع خفيف ينقل من مكان إلى مكان, ويمثل بعضها خشبًا ينقصم أو عودا ينحطم.

وكان يخاف أشد الخوف أشخاصًا يتمثلها قد وقفت على باب الحجرة فسدّته سدًّا, وأخذت تأتي بحركات مختلفة أشبه شيء بحركات المتصوفة في حلقات الذكر. وكان يعتقد أن ليس له حصن من كل هذه الأشباح المخوفة والأصوات المنكرة, إلا أن يلتف في لحافه من الرأس إلى القدم, دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذًا أو ثغرة. وكان واثقا أنه إن ترك ثغرة في لحافه فلا بد من أن تمتد منها يد عفريت إلى جسمه فتناله بالغمز والعبث.


لذلك كان يقضي ليله خائفًا مضطربًا, إلا حين يغلبه النوم, وما كان يغلبه النوم إلا قليلاً. كان يستيقظ مبكرًا أو قل كان يستيقظ في السحر, ويقضي شطرًا طويلاً من الليل في هذه الأهوال والأوجال والخوف من العفاريت, حتى إذا وصلت إلى سمعه أصوات النساء يعدن إلى بيوتهن وقد ملأن جرارهن من القناة وهن يتغنين (الله ياليل الله….), عرف أن قد بزغ الفجر, وأن قد هبطت العفاريت إلى مستقرها من الأرض السفلى, فاستحال هو عفريتًا, وأخذ يتحدث إلى نفسه بصوت عال, ويتغنى بما حفظ من نشيد الشاعر, ويغمز من حوله من إخوته وأخواته, حتى يوقظهم واحدًا واحدًا. فإذا تم له ذلك, فهناك الصياح والغناء, وهناك الضجيج والعجيج, وهناك الضوضاء التي لم يكن يضع لها حدًّا إلا نهوض الشيخ من سريره, ودعاؤه بالإبريق ليتوضأ.


حينئذ تخفت الأصوات وتهدأ الحركة, حتى يتوضأ الشيخ ويصلي ويقرأ ورده ويشرب قهوته ويمضي إلى عمله. فإذا أغلق الباب من دونه نهضت الجماعة كلها من الفراش, وانسابت في البيت صائحة لاعبة حتى تختلط بما في البيت من طير وماشية.



2


كان مطمئنّا إلى أن الدنيا تنتهي عن يمينه بهذه القناة التي لم يكن بينه وبينها إلا خطوات معدودة. ولم لا ? وهو لم يكن يرى عرض هذه القناة, ولم يكن يقدِّر أن هذا العرض ضئيل بحيث يستطيع الشاب النشيط أن يثب من إحدى الحافتين فيبلغ الأخرى, ولم يكن يقدِّر أن حياة الناس والحيوان والنبات تتصل من وراء هذه القناة على نحو ما هي من دونها, ولم يكن يقدِّر أن الرجل يستطيع أن يعبر هذه القناة ممتلئة دون أن يبلغ الماء إبطيه, ولم يكن يقدر أن الماء ينقطع من حين إلى حين عن هذه القناة, فإذا هي حفرة مستطيلة يعبث فيها الصبيان, ويبحثون في أرضها الرخوة عما تخلف من صغار السمك فمات لانقطاع الماء عنه.


لم يكن يقدِّر هذا كله, وإنما كان يعلم يقينًا لا يخالطه الظن أن هذه القناة عالم آخر مستقل عن العالم الذي كان يعيش فيه, تعمره كائنات غريبة مختلفة لا تكاد تحصى; منها التماسيح التي تزدرد الناس ازدرادًا, ومنها المسحورون الذين يعيشون تحت الماء بياض النهار وسواد الليل, حتى إذا أشرقت الشمس أو غربت طفوا يتنسمون الهواء, وهم حين يطفون خطر على الأطفال وفتنة للرجال والنساء. ومنها هذه الأسماك الطوال العراض التي لا تكاد تظفر بطفل حتى تزدرده ازدرادًا , والتي قد يتاح لبعض الأطفال أن يظفروا في بطونها بخاتم الملك, ذلك الخاتم الذي لا يكاد الإنسان يديره في أصبعه حتى يسعى إليه دون لمح البصر خادمان من الجن يقضيان له ما يشاء. ذلك الخاتم الذي كان يتختمه سليمان فيسخر له الجن والريح وما يشاء من قوى الطبيعة. وما كان أحب إليه أن يهبط في هذه القناة لعل سمكة من هذه الأسماك تزدرده فيظفر في بطنها بهذا الخاتم, فقد كانت حاجته إليه شديدة… ألم يكن يطمع على أقل تقدير في أن يحمله أحد هذين الخادمين إلى ما وراء هذه القناة ليرى بعض ما هناك من الأعاجيب ? ولكنه كان يخشى كثيرًا من الأهوال قبل أن يصل إلى هذه السمكة المباركة.


على أنه لم يكن يستطيع أن يبلو من شاطئ هذه القناة مسافة بعيدة, فقد كان الشاطئ محفوفًا عن يمينه وعن شماله بالخطر. فأما عن يمينه فقد كان هناك العَدوِيون, وهم قوم من الصعيد يقيمون في دار لهم كبيرة, يقوم على بابها أبدًا كلبان عظيمان لا ينقطع نباحهما, ولا تنقطع أحاديث الناس عنهما, ولا ينجو المار منهما إلا بعد عناء ومشقة. وأما عن شماله فقد كانت هناك خيام يقيم فيها (سعيد الأعرابي) الذي كان الناس يتحدثون بشرّه ومكره وحرصه على سفك الدماء, وامرأته (كوابس) التي كانت قد اتخذت في أنفها حلقة من الذهب كبيرة, والتي كانت تختلف إلى الدار, وتقبّل صاحبنا من حين إلى حين فيؤذيه خزامها ويروعه. وكان أخوف الأشياء إليه أن يتقدم عن يمينه فيتعرض لكلبي العَدوِيين, أو يتقدم عن شماله فيتعرض لشر (سعيد) وامرأته (كوابس).


على أنه كان يجد في هذه الدنيا الضيقة القصيرة المحدودة من كل ناحية ضروبًا من اللهو والعبث تملأ نهاره كله.


ولكن ذاكرة الأطفال غريبة, أو قل إن ذاكرة الإنسان غريبة حين تحاول استعراض حوادث الطفولة, فهي تتمثل بعض هذه الحوادث واضحًا جليًّا كأن لم يمض بينها وبينه من الوقت شيء, ثم يمحى منها بعضها الآخر كأن لم يكن بينها وبينه عهد.


يذكر صاحبنا السياج والمزرعة التي كانت تنبسط من ورائه, والقناة التي كانت تنتهي إليها الدنيا, و(سعيدا) و(كوابس) وكلاب العدويين, ولكنه يحاول أن يتذكر مصير هذا كله فلا يظفر من ذلك بشيء. وكأنه قد نام ذات ليلة ثم أفاق من نومه فلم ير سياجًا ولا مزرعة ولا سعيدًا ولا كوابس, وإنما رأى مكان السياج والمزرعة بيوتًا قائمة وشوارع منظمة, تنحدر كلها من جسر القناة ممتدة امتدادًا قصيرًا من الشمال إلى الجنوب. وهو يذكر كثيرًا من الذين كانوا يسكنون هذه البيوت رجالاً ونساءً, ومن الأطفال الذين كانوا يعبثون في هذه الشوارع.


وهو يذكر أنه كان يستطيع أن يتقدم يمينًا وشمالاً على شاطئ القناة دون أن يخشى كلاب العدَوِيين أو مكر سعيد وامرأته. وهو يذكر أنه كان يقضي ساعات من نهاره على شاطئ القناة سعيدًا مبتهجًا بما سمع من نغمات (حسن) الشاعر يتغنى بشعره في أبي زيد وخليفة ودياب, حين يرفع الماء بشادوفه ليسقي به زرعه على الشاطئ الآخر للقناة. وهو يذكر أنه استطاع غير مرة أن يعبر هذه القناة على كتف أحد إخوته دون أن يحتاج إلى خاتم الملك, وأنه ذهب غير مرة إلى حيث كانت تقوم وراء القناة شجرات من التوت فأكل من توتها ثمرات لذيذة. وهو يذكر أنه تقدم غير مرة عن يمينه على شاطئ القناة حتى وصل إلى حديقة المعلم وأكل فيها غير مرة تفاحًا, وقُطِف له فيها غير مرة نعناع وريحان. ولكنه عاجز كل العجز أن يتذكر كيف استحالت الحال وتغير وجه الأرض من طوره الأول إلى هذا الطور الجديد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأيام (1 - 2) طه حسين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  قصة حياة طه حسين

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموسوعة الثقافية :: معلومات و قصص :: بحوث مفيدة :: بحوث اخرى-
انتقل الى: