كسر في عظام الجمجمة
تطلق كسور العظام في علم التشريح على الكسور أو الشروخ التي تصيب العظام أو الغضروف العظمي. ولا تؤثر هذه الكسور سواء كانت بسيطة أو مغلقة على الجلد، إلا إذا كانت كسورا مركبة أو مفتوحة ففيها يتمزق الجلد وغالبا ما تظهر العظام. وأما تعريف الكسور بأنها كسور فردية أو جماعية، فإن ذلك يشير إلى عدد الكسور في نفس العظمة. وتكون كسور العظام كاملة إذا كان الكسر كليا أو غير كاملة إذا وقع الكسر في جزء يبعد عن الساق العظمي حيث تنثني أو تتهشم العظام. وغالبا ما تحدث حالات الكسر غير الكامل لدى الأطفال الصغار الذين ما زالت عظامهم مرنة.
وتنتج معظم الكسور بسبب الصدمات الشديدة وإن كانت الأنشطة البسيطة مثل قذف كرة -على سبيل المثال- قد تسبب كسرا في بعض الأحيان. ومن الأعراض الشائعة للكسر الألم الموضعي الشديد في مكان الكسر والألم عند لمس هذا الموضع وورم يصاحبه بعض التشوه. ولقد أولى الأطباء المسلمون أهمية كبيرة للعظام وما يعرض لها من آفات مثل آلام المفاصل وخلوعها، وشروخ العظام والزيادات الحادثة فيها. كما تم تصنيف الكسور وطرق علاجها. فأصبح هناك طرقا لعلاج كسور عظام الفك، وطرقا لكسور عظام الجسم، وأخرى لكسور عظام الجمجمة.
كسور عظم الفك
يقع للفك السفلي في كثير من الأحوال خلع يصاحبه كسر مفرد، وتتطلب إعادته إلى موضعه دقة متناهية حتى لا تحدث مضاعفات. وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي قدم الزهراوي وصفا دقيقا لهذه العملية فقال: "يدخل الإصبع السبابة من اليد في فم العليل، وترفع به حدبة الكسر من الداخل برفق إلى الخارج، ويدك الأخرى من خارج العظم تحكم بها تسويته". ثم يذكر بعد تأمين الرد الصحيح للفك والإطباق التام مع الفك الآخر، أن يثبت طرفي الكسر، بوضع جبيرة سلكية من الذهب أو الفضة ، على الأسنان المتبقية والموجودة. ثم يضع بعد ذلك نوعا من المراهم يستعمله كضماد يسميه (القيروطي) على الناحية المصابة من الخارج. وهو يعطي تعليمات حازمة للمريض تنص على الراحة التامة وعدم الحركة، مع الحمية الفموية السائلة، وأن يظل الحال على ذلك مدة ثلاثة أسابيع وهي المدة المطلوبة لالتئام الكسر. أما في حالة ظهور مضاعفات في تلك الفترة، وهي في الأغلب ورم في منطقة الكسر مع ألم شديد، فهو يشرح المعالجة كما يلي: "ينزع الطبيب المقلاع الذقني في الحال، ويمسح منطقة الكسر من الخارج بالماء الفاتر، ويضع كمادة أو رفادة من الشاش المغموس في الخل أو الزيت أو دهن الورد لمدة ليلة أو أكثر لتسكين الألم وإزالة الوذمة الالتهابية الناجمة عن حدوث الكسر حتى إذا زالت هذه الأعراض، فهو يعيد المقلاع الذقني، وهكذا حتى يتم الشفاء".
كما قدم الأهوازي شرحا مفصلا لطريقة علاج الكسور الحادثة في الفك السفلي بقوله: "متى انكسر اللحي الأسفل من خارج، ولم يفصل ما انكسر فينبغي أن تنظر، فإن كان الكسر في الفك الأيسر، فينبغي أن تدخل الإصبع الوسطى من اليد اليسرى والسبابة في الفم، وترفع بهما الحدب الحادث في الفك إلى خارج، حتى يستوي وتسويه على شكله من الخارج باليد اليمنى. وإذا كان الكسر في الفك الأيمن، فدخل أصابع اليد اليمنى، وافعل بها مثل ما ذكرت لك، وأنت تعرف رجوع الفك إلى حاله، من استواء الأسنان التي فيها ورجوعها إلى أصلها الطبيعي. فإن انكسر اللحي واندار ما انكسر، فينبغي أن تستعمل اليد من الناحيتين بمعاونة بعض الخدم لك، حتى ترده إلى حقه وشكله، وينبغي أن تشد الأسنان التي في اللحي المكسور، برباط من ذهب أو فضة بعضها إلى بعض إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن فتربط بخيوط من إبريسم مفتولة فتلا جيدا، ثم تستعمل الرباط الذي ينبغي أن يربط، وهو أن تصير وسط الرباط على القفا، وتمد الطرفين من الجانبين، وتمر بهما على الأذنين إلى أن يصير اللحي إلى محله".
كسور عظم الجسم
تتعدد أسباب الإصابات الحادثة لكسور عظام الجسم، حسب الآلة الفاعلة لذلك، وفي هذه الحالة تختلف طرق العلاج حسب الأثر. فيعدد ابن العين زربي أسباب الكسور مشيرا إلى ما كان منها عرض باد مثل السيف والخنجر فيستدل عليه بالمشاهدة ويتبعها بطلان فعل العضو المصاب وفي ذلك يستعمل منقاش لإخراج كسر العظام. أما ما كان من السهام والشوك والعظام وسائر الأجساد الحادة فإنها إن كانت قد غابت ولا يمكن إخراجها فتجب بالكلابتين التي بالسهام، أو يوسع فم الجرح بالمبضع إن كان الجرح ضيقا.
ويضيف ابن العين زربي في طرق علاج الخل ع والكسر والوثي ، فيقول: "إن أعظم الخطأ عند وقوع الضربة أو السقطة والخلع والكسر والوثي أن يؤلم الموضع بالغمز والرباط الشديدين. فإذا حدثت ضربة أو سقطة لم يحدث معها خلع فإنه لا يحتاج أن يغمز الموضع ولا أن يشد البتة بل يمسح مسحا رفيقا إن لم يكن الكسر كبيرا ويغمد بغماد الجير المسكن للوجع ويشد شدا خفيفا... أما علامة الكسر فهي أن يتبين نتوء العظام ومدافعتها فأما الشق والوثي في العظام فلا يحتاج أيضا إلى مد وتسوية وأما في الخلع فلا بد من أن يمد برفق حتى يمكن أن يرد لمكانه... ومتى هاج تحت الرباط وجع يحل الرباط ويطلى بماء حار ويترك ساعة حتى يتنفس ثم يعاود... وإن كان معه جرح ترك فم الجرح مكشوفا ليسيل منه الصديد، ويشق لإخراج الشظايا وإن كانت متبرية تنشر... ويستدل على الكسر بالتواء العظم وبالخشخشة عند تحريك العضو، وعلى الخلع بتغير الوضع والنشوز، وعلى الوهن والوثي بانعياق الحركة والتألم من غير كسر ولا خلع... أما علاج الكسر فهو أن يرد المعالج شكل العضو بدون عنف بل بلطف وتأن إلى هيئته الطبيعية لئلا تنكسر الشظايا والتفريسات التي تحدث من الكسر من الجهة التي مال أحد الكسرين إليها ويغمد... ويجب أن يمنع المريض من تحريك العضو المكسور... أما في الخلع فينبغي أن تبادر إلى مد العضوين المنخلع مفصلهما كل واحد منهما إلى جهة مضادة مدا رقيقا وعلى استقامة، ثم ركب زائدة أحد العظمين في حفرة الآخر".
كسور عظم الجمجمة
لقد فرق الأطباء المسلمون بين الجراح التي تكون في الجسم وبين الشجاج التي تكون في الرأس. ويعود سبب هذا التفريق إلى حقيقة علمية أوضحها ابن سينا في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي وهي أن عظام الجمجمة إذا انكسرت لا تلتئم بالطريقة التي تلتئم بها باقي عظام الجسم بل تبقى منفصلة وبشكل دائم وما يجمعها بعد الكسر سوى نسيج ليفي مجمع. وقد قسم ابن سينا كسور عظام الجمجمة إلى نوعين حسب ما يصاحبها من الجروح. فالأولى الكسور المغلقة وهي التي لا تصاحبها جروح وهذه خطرة لما يرافقها من التورم واحتباس الدم والصديد، والثانية هي الكسور المفتوحة وهي التي تصاحبها جروح.
ولقد حدد الأهوازي الأشكال المختلفة لكسور الجمجمة ذاكرا الكسر البسيط وهو ذو الشق الواح د دون خروج العظم عن موضعه والكسر القوي وهو خروج العظم المكسور إلى الخارج، وكذلك كسر القحف وهو الكسر إلى أجزاء كثيرة صغيرة، وكسر الشعرى وهو الشق الرقيق الذي يخفى عن اللمس وربما كان سببا في موت الإنسان. كما بين الأهوازي أن خطر هذه الكسور لا يرتبط بأشكالها فقط بل يرتبط بآلية حدوثها وبالأعراض العصبية الناتجة عنها.
كما حدد الزهراوي الأعراض والعلامات لكسور الجمجمة طريقة أخرى لاكتشافها وهي طريقة الاستكشاف الجراحي للوصول للتشخيص النهائي للإصابة فيقول: "ونتعرف جميع هذه الأنواع بالكشف عليها وتفتيشها بالمسابير وانتزاع اللحوم الفاسدة من عليها، وأما النوع الشعرى فيعرف بأن يكشف على العظم ويمسح ويلطخ عليه بالمداد فإن الكسر يظهر أسود".
ويشرح الزهراوي الخطوات العملية لجراحة كسور الجمجمة بقوله: "فإن كان كسر العظم قد بلغ إلى الغشاء المغشي على الدماغ وكان مع هشم ورض فينبغي أن تقطع الجزء المتهشم المرضوض على ما أنا واصفه لك وهو أن تحلق رأس العليل المجروح... فإن عرض لك عند الكشف على العظم نزف دم أو ورم حار فقابل ذلك بما ينبغي وهو أن تحشو الموضوع بخرق مغموسة في شراب ودهن ورد وفق الجرح حتى يسكن الورم وتأمن النزف ثم تأخذ في تقوير العظم وذلك يكون على أحد وجهين من العمل، فأما الوجه الواحد فهو أن تقطع العظم بمقطع لطيف ضيق الشفرة... فإن كان العظم قويا صلبا فينبغي أن تثقب حوله قبل استعمالك القاطع بالمثاقب التي سموها غير غائضة".
وقد شرح الزهراوي أيضا طرق تضميد جروح الجمجمة بعد عملية الجراحة فيقول: "فخذ خرقة كتان واغمسها في دهن ورد وتضعها على الجرح كله برفق وتشد ذلك برباط شدا رقيقا بمقدار ما تثبت الرفائد على الموضع".
وفي الطب الحديث يتم علاج التلوث في الكسور المركبة باستخدام المطهرات والمضادات الحيوية. وإذا كانت الأجزاء المكسورة تقع بالقرب من بعضها الآخر، فإنه قد يتم استخدام الشد أو السحب لإعادة هذه الأجزاء إلى وضعها الطبيعي على الرغم من أن المعالجة الخارجية باليد قد تؤدي إلى تضميد هذه الأجزاء. وإذا لم يتم الرجوع إلى الوضع الطبيعي بهذه الطريقة، فعادة ما يتم إجراء عملية يتم فيها ربط الأجزاء المكسورة باستخدام اللولب أو الصواميل أو ا لمسامير أو الأسلاك أو الألواح المعدنية.
وهو ما أشار به الأطباء المسلمون في علاج كسور عظام الفك وبمجرد الرجوع للوضع الطبيعي يتم تأمين الكسور خارجيا باستخدام جبيرة أو لفائف من الجبس لتثبيت الكسور والإسراع بالعلاج. وفي حالة كسر الأضلاع، فإنه يتم وضع حزام على الصدر لتقليل الألم الذي قد ينتج عن حركة التنفس. وأثناء العلاج، يقوم الجسم بتخليق أنسجة جديدة لربط الأجزاء المكسورة، حيث تتقوى المواد المعدنية بالأنسجة لتكوين بنية عظمية جديدة صلبة.